عرض المقال
الفرق بين الحياة وتجنب الموت
2013-05-18 السبت
- كنا نعيش فى الكهف، كنا نحيا فى أمان.
- ليست هذه حياة، نحن لم نكن نحيا، ولكننا كنا فقط نتجنب الموت!!
جملة بليغة مفعمة بالحكمة فى فيلم عبقرى مفعم بالبهجة اسمه the croods، بالرغم من أنه فيلم أنيميشن كارتون 3D المفروض أنه موجه للأطفال إلا أنه ملىء بالمعانى الفلسفية العميقة التى تقدم بمنتهى البساطة والسلاسة، بالفعل على مستوى الأفراد والمجتمعات هناك من يعيش فقط لتجنب الموت وهناك من يعيش ليحيا ويغامر ويجدد ويبتكر، إنها الحياة بجد مقابل الربع حياة أو اللى شبه الحياة أو الموت اللى بنفس ونبض لكن بلاروح، الأب فى الفيلم يعشق الكهف ويخاف على عائلته حين يحل الظلام الذى يعنى عنده الموت، يعلم الأسرة أن الخوف هو ما يجعلهم يعيشون، يلقنهم أن الجديد دائماً يحمل الخطر، الجديد معناه الدمار والنهاية، يحكى لهم نفس القصة يومياً، وهم متحلقون حوله فى الكهف، النهاية واحدة مع تغيير الأبطال، يحكى لهم أن ما قتل الدب والنمر.. إلخ هو الفضول، حين تملكهم الفضول ماتوا!!، ابنته «إيب» كانت مريضة بهذا المرض العضال.. مرض الفضول، تتسلل من الكهف حين يحل الظلام، فترى خيطاً من الضوء، تتابعه فإذا به صادر عن الشاب «جاى» الذى يحمل شعلة النار التى اخترعها، هو لايملك قوتها ولاقوة والدها ولكنه يملك العقل، يخبرها بأن نهاية العالم الذى تراه الآن سينتهى ويفنى وعليهم أن يصعدوا إلى الجبل، تخبر البنت والدها ولكنه يتمسك بالكهف، إنه الأمان من الخارج، إنه الحصن من الجديد، بالفعل تتحقق نبوءة «جاى» وينهار الكهف وما حول الكهف وصار لزاماً على هذه العائلة أن تهجر كهفها المغلق الآمن إلى الخارج حيث الهواء والسماء والحياة والمغامرة والجديد والكشف وأيضاً فيروس الفضول المؤرق، يقود «جاى» الرحلة رغماً عن أنف الأب الكاره الغاضب، يحكى لهم قصة مختلفة عن قصص الأب عن أن الفضول جعل بطلة الحكاية تسافر إلى الغد عبر الشمس، يتساءلون ما هو الغد؟ يتعرفون على المطر لأول مرة، يلمسون البحر ويلبسون الأحذية التى اخترعها «جاى»، ينقذهم من الأخطار والأهوال بمجرد فكرة، يعرفون يعنى إيه تفكير؟ ويعنى إيه مخ؟ ويعنى إيه بكره؟، يحلمون ويجبرهم تفاؤل الوصول إلى محطة الغد على بذل الجهد، يقتنع الأب أخيراً بأن الجديد لايخيف ولايحمل رعباً، وبأنه ليس الخوف هو الذى يجبرهم على الحياة ولكنه الفضول هو الذى يجعل الحياة أجمل وتستحق أن تعاش.
فيلم The croods فيلم مبهر على مستوى الفكرة وعلى مستوى الصورة وعلى مستوى الإخراج، يجعلك تتساءل: ماذا لو كان أديسون قد خاف من التجربة؟ ألم نكن غارقين فى الظلام حتى هذه اللحظة؟ ماذا لو خاف جاليليو ولافوازييه وفرويد وداروين ومندليف وأينشتين، إلى آخر كل هؤلاء ممن حملوا شعلة نار «جاى» وأصيبوا بفيروس الفضول؟؟، الإجابة كنا سنظل حتى هذه اللحظة فى كهفنا الآمن نلعب مع الموت لعبة الهروب المؤقت والمراوغة المملة، نسند ظهرنا إلى الجدار ونشاهد أشباح المارة معكوسة عليه فنظن أننا نعيش ونتخيل أننا نحيا ونعيش هذه الخدعة إلى الأبد ونموت ونتعفن داخل الكهف ونحن نظن أن كهفنا الضيق هو الكون الفسيح.